الخميس، 2 مايو 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الرابع

 أربعاء البصخة، ويسمى أيضًا بـ(أربعاء أيوب) بسبب قراءة ميمر أيوب يعني سيرة أيوب في هذا اليوم في السابق

██أولًا - القراءة

— المزامير ٤١/ ٩

٩ أيضًا رَجُلُ سلامَتي، الّذي وثِقتُ بهِ، آكِلُ خُبزي، رَفَعَ علَيَّ عَقِبَهُ!

— مرقس ١٤/ ١- ٩

التآمر لقتل يسوع

١ وكانَ الفِصحُ وأيّامُ الفَطيرِ بَعدَ يومَينِ. وكانَ رؤَساءُ الكهنةِ والكتبةُ يَطلُبونَ كيفَ يُمسِكونَهُ بمَكرٍ ويَقتُلونَهُ، ٢ ولكنهُمْ قالوا: «ليس في العيدِ، لئَلّا يكونَ شَغَبٌ في الشَّعبِ».

سكب الطيب على يسوع

٣ وفيما هو في بَيتِ عنيا في بَيتِ سِمعانَ الأبرَصِ، وهو مُتَّكِئٌ، جاءَتِ امرأةٌ معها قارورَةُ طيبِ نارِدينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ. فكسَرَتِ القارورَةَ وسَكَبَتهُ علَى رأسِهِ. ٤ وكانَ قَوْمٌ مُغتاظينَ في أنفُسِهِمْ، فقالوا: «لماذا كانَ تلَفُ الطّيبِ هذا؟ ٥ لأنَّهُ كانَ يُمكِنُ أنْ يُباعَ هذا بأكثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ دينارٍ ويُعطَى للفُقَراءِ». وكانوا يؤَنِّبونَها. ٦ أمّا يَسوعُ فقالَ: «اترُكوها! لماذا تُزعِجونَها؟ قد عَمِلَتْ بي عَمَلًا حَسَنًا! ٧ لأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ في كُلِّ حينٍ، ومَتَى أرَدتُمْ تقدِرونَ أنْ تعمَلوا بهِمْ خَيرًا. وأمّا أنا فلَستُ معكُمْ في كُلِّ حينٍ. ٨ عَمِلَتْ ما عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَتْ بالطّيبِ جَسَدي للتَّكفينِ. ٩ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُلِّ العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ، تذكارًا لها».

متى ٢٦/ ١٤- ١٦

خيانة يهوذا

١٤ حينَئذٍ ذَهَبَ واحِدٌ مِنَ الِاثنَيْ عشَرَ، الّذي يُدعَى يَهوذا الإسخَريوطيَّ، إلَى رؤَساءِ الكهنةِ ١٥ وقالَ: «ماذا تُريدونَ أنْ تُعطوني وأنا أُسَلِّمُهُ إلَيكُم؟». فجَعَلوا لهُ ثَلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ. ١٦ ومِنْ ذلكَ الوقتِ كانَ يَطلُبُ فُرصَةً ليُسَلِّمَهُ.

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

• لعلنا في تأملاتنا وتعليقاتنا حول قراءات الأيام السابقة قد استقر لدينا السبب العدائي الواقعي الذي واجهه يسوع الإنجيلي طوال أيام خدمته، وأيضًا السبب التاريخي حول ذلك. إذ لم تظهر -بحسب تلك القراءات- المؤامرات للتخلص من يسوع الإنجيلي بلا داعي منطقي لظهورها، فقد ابتدأنا القراءات بدخول يسوع الإنجيلي إلى أورشليم وتقدمه إلى الهيكل بشكل فيه فعل عنف ظاهر ضد الخائضين في الدنيا بغفلة، ثم لعن شجرة كونها غير مثمرة في غير موسمها بلا داعي مقبول، بل لعلها تثير الحيرة والتساؤل والنقض، ثم أبرز أعلان وجوب القضاء والتنكيل بالمخالفين بمثال أقرب إلى التصريح، ثم اضطر لإعلان مهادنة بعض المخالفين ذوي السلطة وتأجيل القضاء عليهم عند الضرورة لكنه لا يُلغى.. فكانت كل تلك الأسباب في الواقع وبحسب هذه القراءات -التي تقدم صورة مصغرة من السيرة الكلية لفترة خدمة يسوع الإنجيلي- كانت تلك الأسباب هي التي مهدت لنشوء التآمر ضد يسوع الإنجيلي، فلا دخان بغير نار.

• أما عن الخلفية التاريخية للمصير الذي سيلقاه يسوع الإنجيلي في النهاية، والذي كان من تبعاته تلك المؤامرات، فقد دونها الكتاب المقدس سلفًا على لسان ناثان النبي تجاه داود الملك حين قال له: «وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي» صمويل الثاني ١٢/ ١٠ فوقع يسوع الإنجيلي تحت تحت ذلك الوعيد كونه من بيت داود. لذا فإننا نعلن بأن هذه القراءات ما وُفقت في تقديم صورة المظلومية المرجو مسيحيًا إبرازها في هذا الأسبوع بحسب مسماه (أسبوع الآلام) بل قدمت لوصف مضاد للمبتغى العقائدي المسيحي.

• كما إنه ليس المصلحين فقط هم الذين يرجى التخلص منهم في مجتمع الفساد، بل لعل الشر المناوئ أيضًا يرجى إخماده للتفرد بالمكاسب.. وتبقى طبيعة المُضطَهد إذا كانت صالحة أو طالحة متوقفة فقط على معيار أقواله وأفعاله ومدى مطابقتهما معًا..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• وفي واقعة سكب الطيب على يسوع الإنجيلي من امرأة أجنبية من منطلق الحب، فلم يكن ذلك الفعل بالأمر الطبيعي أبدًا في المجتمع اليهودي حينذاك ولا حتى عند يسوع الإنجيلي نفسه، فلقد كان كل المجتمع محافظًا بدرجة أقرب إلى الصرامة بحيث تجعل موقف مثل هذا لا يمر مرور الكرام دون عقوبة أو التوبيخ الشديد والقاسي على أقل تقدير، ولكن حينما نجد أن كل الاستنكار الصادر من الحضور حينها إنما كان حول خسارة ثمن الطيب، وليس لفعل تلك المرأة تجاه يسوع، فلا يجوز لمتفحص ومتأمل وباحث إلا أن يعتبر أن هذه المرأة إما زوجة ليسوع أو من إحدى محارمه حصرًا، كأمه أو خالته.. ولكن بمطابقة الشواهد الكتابية المتعلقة بالحدث يتبين أنها مريم المجدلية والتي أشيع عنها في أقوال أخرى مفرقة أن المسيح تزوجها وأنجب منها أيضًا..

• وبخصوص يهوذا الإسخريوطي فإن ردة أحد أو بعض الأتباع ليس بالأمر المستغرب في أحوال جماعات الأنبياء، ولكن إذا قبلنا جدلًا بالألوهية المزعومة ليسوع الإنجيلي، فإنه لا يستقيم أن يرتد شخص رافق الإله في جميع أحواله وأعماله الإعجازية الظاهرةِ والمُلجئة، يعني التي تُلجئ جميع المقربين حتمًا للإقرار بكونه إلهًا عن يقين دامغ.. أما بحدوث الردة لواحد أو للبعض فإن ذلك الزعم بالألوهية يبقى معلقًا وواه جدًا ودون أدنى إثبات، لأن أقرب الطرق لإقراره ثبت انعدامه وعدم جدواه، فكيف نترك الأقرب ونلجئ إلى الأبعد للإثبات؟!

• وبذلك نقول باطمئنان أن قراءة النبوءة في مزمور ٤١ في صدر قراءة اليوم إنما تعود على نبي يشكو بثه وحزنه لردة بعض أصحابه الموثوقين عليه ولا تصور أبدًا حالة إله البتة.

الأربعاء، 1 مايو 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الثالث

─ثلاثاء البصخة، وهي لفظة أرامية تعني (الفِصحا) يعني العبور أو الخروج─

 

██أولًا - القراءة

— المزامير ١١٠/ ١

١ قالَ الرَّبُّ لرَبّي: «اجلِسْ عن يَميني حتَّى أضَعَ أعداءَكَ مَوْطِئًا لقَدَمَيكَ».

— متى ٢١/ ٢٣- ٤٦

شجرة التين تيبس

«١٨ وفي الصُّبحِ إذ كانَ راجِعًا إلَى المدينةِ جاعَ، ١٩ فنَظَرَ شَجَرَةَ تينٍ علَى الطريقِ، وجاءَ إليها فلم يَجِدْ فيها شَيئًا إلّا ورَقًا فقط. فقالَ لها: «لا يَكُنْ مِنكِ ثَمَرٌ بَعدُ إلَى الأبدِ!». فيَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ. ٢٠ فلَمّا رأى التلاميذُ ذلكَ تعَجَّبوا قائلينَ: «كيفَ يَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ؟». ٢١ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التّينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. ٢٢ وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ».

السؤال عن سلطان يسوع

٢٣ ولَمّا جاءَ إلَى الهَيكلِ تقَدَّمَ إليهِ رؤَساءُ الكهنةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وهو يُعَلِّمُ، قائلينَ: «بأيِّ سُلطانٍ تفعَلُ هذا؟ ومَنْ أعطاكَ هذا السُّلطانَ؟». ٢٤ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «وأنا أيضًا أسألُكُمْ كلِمَةً واحِدَةً، فإنْ قُلتُمْ لي عنها أقولُ لكُمْ أنا أيضًا بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا: ٢٥ مَعموديَّةُ يوحَنا: مِنْ أين كانت؟ مِنَ السماءِ أم مِنَ النّاسِ؟». ففَكَّروا في أنفُسِهِمْ قائلينَ: «إنْ قُلنا: مِنَ السماءِ، يقولُ لنا: فلماذا لم تؤمِنوا بهِ؟ ٢٦ وإنْ قُلنا: مِنَ النّاسِ، نَخافُ مِنَ الشَّعبِ، لأنَّ يوحَنا عِندَ الجميعِ مِثلُ نَبيٍّ». ٢٧ فأجابوا يَسوعَ وقالوا: «لا نَعلَمُ». فقالَ لهُمْ هو أيضًا: «ولا أنا أقولُ لكُمْ بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا».

مثل الابنين

٢٨ «ماذا تظُنّونَ؟ كانَ لإنسانٍ ابنانِ، فجاءَ إلَى الأوَّلِ وقالَ: يا ابني، اذهَبِ اليومَ اعمَلْ في كرمي. ٢٩ فأجابَ وقالَ: ما أُريدُ. ولكنهُ نَدِمَ أخيرًا ومَضَى. ٣٠ وجاءَ إلَى الثّاني وقالَ كذلكَ. فأجابَ وقالَ: ها أنا يا سيِّدُ. ولَمْ يَمضِ. ٣١ فأيُّ الِاثنَينِ عَمِلَ إرادَةَ الأبِ؟». قالوا لهُ: «الأوَّلُ». قالَ لهُمْ يَسوعُ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ العَشّارينَ والزَّوانيَ يَسبِقونَكُمْ إلَى ملكوتِ اللهِ، ٣٢ لأنَّ يوحَنا جاءَكُمْ في طريقِ الحَقِّ فلم تؤمِنوا بهِ، وأمّا العَشّارونَ والزَّواني فآمَنوا بهِ. وأنتُمْ إذ رأيتُمْ لم تندَموا أخيرًا لتؤمِنوا بهِ.

مثل الكرامين

٣٣ «اِسمَعوا مَثَلًا آخَرَ: كانَ إنسانٌ رَبُّ بَيتٍ غَرَسَ كرمًا، وأحاطَهُ بسياجٍ، وحَفَرَ فيهِ مَعصَرَةً، وبَنَى بُرجًا، وسَلَّمَهُ إلَى كرّامينَ وسافَرَ. ٣٤ ولَمّا قَرُبَ وقتُ الأثمارِ أرسَلَ عَبيدَهُ إلَى الكَرّامينَ ليأخُذَ أثمارَهُ. ٣٥ فأخَذَ الكَرّامونَ عَبيدَهُ وجَلَدوا بَعضًا وقَتَلوا بَعضًا ورَجَموا بَعضًا. ٣٦ ثُمَّ أرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ أكثَرَ مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بهِمْ كذلكَ. ٣٧ فأخيرًا أرسَلَ إليهِمُ ابنَهُ قائلًا: يَهابونَ ابني! ٣٨ وأمّا الكَرّامونَ فلَمّا رأوا الِابنَ قالوا فيما بَينَهُمْ: هذا هو الوارِثُ! هَلُمّوا نَقتُلهُ ونأخُذْ ميراثَهُ! ٣٩ فأخَذوهُ وأخرَجوهُ خارِجَ الكَرمِ وقَتَلوهُ. ٤٠ فمَتَى جاءَ صاحِبُ الكَرمِ، ماذا يَفعَلُ بأولئكَ الكَرّامينَ؟». ٤١ قالوا لهُ: «أولئكَ الأردياءُ يُهلِكُهُمْ هَلاكًا رَديًّا، ويُسَلِّمُ الكَرمَ إلَى كرّامينَ آخَرينَ يُعطونَهُ الأثمارَ في أوقاتِها». ٤٢ قالَ لهُمْ يَسوعُ: «أما قَرأتُمْ قَطُّ في الكُتُبِ: الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ هو قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كانَ هذا وهو عَجيبٌ في أعيُنِنا! ٤٣ لذلكَ أقولُ لكُمْ: إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنزَعُ مِنكُمْ ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمَلُ أثمارَهُ. ٤٤ ومَنْ سقَطَ علَى هذا الحَجَرِ يتَرَضَّضُ، ومَنْ سقَطَ هو علَيهِ يَسحَقُهُ!». ٤٥ ولَمّا سمِعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَرّيسيّونَ أمثالهُ، عَرَفوا أنَّهُ تكلَّمَ علَيهِمْ. ٤٦ وإذ كانوا يَطلُبونَ أنْ يُمسِكوهُ، خافوا مِنَ الجُموعِ، لأنَّهُ كانَ عِندَهُمْ مِثلَ نَبيٍّ»

— متى ٢٢/ ١- ٤٦

مثل عرس ابن الملك

١ وجَعَلَ يَسوعُ يُكلِّمُهُمْ أيضًا بأمثالٍ قائلًا: ٢ «يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرسًا لابنِهِ، ٣ وأرسَلَ عَبيدَهُ ليَدعوا المَدعوّينَ إلَى العُرسِ، فلم يُريدوا أنْ يأتوا. ٤ فأرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ قائلًا: قولوا للمَدعوّينَ: هوذا غَدائي أعدَدتُهُ. ثيراني ومُسَمَّناتي قد ذُبِحَتْ، وكُلُّ شَيءٍ مُعَدٌّ. تعالَوْا إلَى العُرسِ! ٥ ولكنهُمْ تهاوَنوا ومَضَوْا، واحِدٌ إلَى حَقلِهِ، وآخَرُ إلَى تِجارَتِهِ، ٦ والباقونَ أمسَكوا عَبيدَهُ وشَتَموهُم وقَتَلوهُم. ٧ فلَمّا سمِعَ المَلِكُ غَضِبَ، وأرسَلَ جُنودَهُ وأهلكَ أولئكَ القاتِلينَ وأحرَقَ مَدينَتَهُمْ. ٨ ثُمَّ قالَ لعَبيدِهِ: أمّا العُرسُ فمُستَعَدٌّ، وأمّا المَدعوّونَ فلم يكونوا مُستَحِقّينَ. ٩ فاذهَبوا إلَى مَفارِقِ الطُّرُقِ، وكُلُّ مَنْ وجَدتُموهُ فادعوهُ إلَى العُرسِ. ١٠ فخرجَ أولئكَ العَبيدُ إلَى الطُّرُقِ، وجَمَعوا كُلَّ الّذينَ وجَدوهُم أشرارًا وصالِحينَ. فامتَلأ العُرسُ مِنَ المُتَّكِئينَ. ١١ فلَمّا دَخَلَ المَلِكُ ليَنظُرَ المُتَّكِئينَ، رأى هناكَ إنسانًا لم يَكُنْ لابِسًا لباسَ العُرسِ. ١٢ فقالَ لهُ: يا صاحِبُ، كيفَ دَخَلتَ إلَى هنا وليس علَيكَ لباسُ العُرسِ؟ فسكَتَ. ١٣ حينَئذٍ قالَ المَلِكُ للخُدّامِ: اربُطوا رِجلَيهِ ويَدَيهِ، وخُذوهُ واطرَحوهُ في الظُّلمَةِ الخارِجيَّةِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ. ١٤ لأنَّ كثيرينَ يُدعَوْنَ وقَليلينَ يُنتَخَبونَ».

دفع الجزية لقيصر

١٥ حينَئذٍ ذَهَبَ الفَرّيسيّونَ وتَشاوَروا لكَيْ يَصطادوهُ بكلِمَةٍ. ١٦ فأرسَلوا إليهِ تلاميذَهُمْ مع الهيرودُسيّينَ قائلينَ: «يا مُعَلِّمُ، نَعلَمُ أنَّكَ صادِقٌ وتُعَلِّمُ طريقَ اللهِ بالحَقِّ، ولا تُبالي بأحَدٍ، لأنَّكَ لا تنظُرُ إلَى وُجوهِ النّاسِ. ١٧ فقُلْ لنا: ماذا تظُنُّ؟ أيَجوزُ أنْ تُعطَى جِزيَةٌ لقَيصَرَ أم لا؟». ١٨ فعَلِمَ يَسوعُ خُبثَهُمْ وقالَ: «لماذا تُجَرِّبونَني يا مُراؤونَ؟ ١٩ أروني مُعامَلَةَ الجِزيَةِ». فقَدَّموا لهُ دينارًا. ٢٠ فقالَ لهُمْ: «لمَنْ هذِهِ الصّورَةُ والكِتابَةُ؟». ٢١ قالوا لهُ: «لقَيصَرَ». فقالَ لهُمْ: «أعطوا إذًا ما لقَيصَرَ لقَيصَرَ وما للهِ للهِ». ٢٢ فلَمّا سمِعوا تعَجَّبوا وتَرَكوهُ ومَضَوْا.

السؤال عن قيامة الأموات

٢٣ في ذلكَ اليومِ جاءَ إليهِ صَدّوقيّونَ، الّذينَ يقولونَ ليس قيامَةٌ، فسألوهُ ٢٤ قائلينَ: «يا مُعَلِّمُ، قالَ موسى: إنْ ماتَ أحَدٌ وليس لهُ أولادٌ، يتَزَوَّجْ أخوهُ بامرأتِهِ ويُقِمْ نَسلًا لأخيهِ. ٢٥ فكانَ عِندَنا سبعَةُ إخوَةٍ، وتَزَوَّجَ الأوَّلُ وماتَ. وإذ لم يَكُنْ لهُ نَسلٌ ترَكَ امرأتَهُ لأخيهِ. ٢٦ وكذلكَ الثّاني والثّالِثُ إلَى السَّبعَةِ. ٢٧ وآخِرَ الكُلِّ ماتَتِ المَرأةُ أيضًا. ٢٨ ففي القيامَةِ لمَنْ مِنَ السَّبعَةِ تكونُ زَوْجَةً؟ فإنَّها كانتْ للجميعِ!». ٢٩ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «تضِلّونَ إذ لا تعرِفونَ الكُتُبَ ولا قوَّةَ اللهِ. ٣٠ لأنَّهُمْ في القيامَةِ لا يُزَوِّجونَ ولا يتَزَوَّجونَ، بل يكونونَ كمَلائكَةِ اللهِ في السماءِ. ٣١ وأمّا مِنْ جِهَةِ قيامَةِ الأمواتِ، أفَما قَرأتُمْ ما قيلَ لكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ القائلِ: ٣٢ أنا إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ؟ ليس اللهُ إلهَ أمواتٍ بل إلهُ أحياءٍ». ٣٣ فلَمّا سمِعَ الجُموعُ بُهِتوا مِنْ تعليمِهِ.

الوصية العظمى

٣٤ أمّا الفَرّيسيّونَ فلَمّا سمِعوا أنَّهُ أبكَمَ الصَّدّوقيّينَ اجتَمَعوا مَعًا، ٣٥ وسألهُ واحِدٌ مِنهُمْ، وهو ناموسيٌّ، ليُجَرِّبَهُ قائلًا: ٣٦ «يا مُعَلِّمُ، أيَّةُ وصيَّةٍ هي العُظمَى في النّاموسِ؟». ٣٧ فقالَ لهُ يَسوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ، ومِنْ كُلِّ نَفسِكَ، ومِنْ كُلِّ فِكرِكَ. ٣٨ هذِهِ هي الوَصيَّةُ الأولَى والعُظمَى. ٣٩ والثّانيَةُ مِثلُها: تُحِبُّ قريبَكَ كنَفسِكَ. ٤٠ بهاتَينِ الوَصيَّتَينِ يتَعَلَّقُ النّاموسُ كُلُّهُ والأنبياءُ».

المسيح وداود

٤١ وفيما كانَ الفَرّيسيّونَ مُجتَمِعينَ سألهُمْ يَسوعُ ٤٢ قائلًا: «ماذا تظُنّونَ في المَسيحِ؟ ابنُ مَنْ هو؟» قالوا لهُ: «ابنُ داوُدَ». ٤٣ قالَ لهُمْ: «فكيفَ يَدعوهُ داوُدُ بالرّوحِ رَبًّا؟ قائلًا: ٤٤ قالَ الرَّبُّ لرَبّي: اجلِسْ عن يَميني حتَّى أضَعَ أعداءَكَ مَوْطِئًا لقَدَمَيكَ. ٤٥ فإنْ كانَ داوُدُ يَدعوهُ رَبًّا، فكيفَ يكونُ ابنَهُ؟». ٤٦ فلم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يُجيبَهُ بكلِمَةٍ. ومِنْ ذلكَ اليومِ لم يَجسُرْ أحَدٌ أنْ يَسألهُ بَتَّةً.

— متى ٢٣/ ١- ٣٩

التحذير من الكتبة والفريسيين

١ حينَئذٍ خاطَبَ يَسوعُ الجُموعَ وتلاميذَهُ ٢ قائلًا: «علَى كُرسيِّ موسى جَلَسَ الكتبةُ والفَرّيسيّونَ، ٣ فكُلُّ ما قالوا لكُمْ أنْ تحفَظوهُ فاحفَظوهُ وافعَلوهُ، ولكن حَسَبَ أعمالِهِمْ لا تعمَلوا، لأنَّهُمْ يقولونَ ولا يَفعَلونَ. ٤ فإنَّهُمْ يَحزِمونَ أحمالًا ثَقيلَةً عَسِرَةَ الحَملِ ويَضَعونَها علَى أكتافِ النّاسِ، وهُم لا يُريدونَ أنْ يُحَرِّكوها بإصبِعِهِمْ، ٥ وكُلَّ أعمالِهِمْ يَعمَلونَها لكَيْ تنظُرَهُمُ النّاسُ: فيُعَرِّضونَ عَصائبَهُمْ ويُعَظِّمونَ أهدابَ ثيابِهِمْ، ٦ ويُحِبّونَ المُتَّكأ الأوَّلَ في الوَلائمِ، والمَجالِسَ الأولَى في المجامعِ، ٧ والتَّحيّاتِ في الأسواقِ، وأنْ يَدعوَهُمُ النّاسُ: سيِّدي سيِّدي! ٨ وأمّا أنتُمْ فلا تُدعَوْا سيِّدي، لأنَّ مُعَلِّمَكُمْ واحِدٌ المَسيحُ، وأنتُمْ جميعًا إخوَةٌ. ٩ ولا تدعوا لكُمْ أبًا علَى الأرضِ، لأنَّ أباكُمْ واحِدٌ الّذي في السماواتِ. ١٠ ولا تُدعَوْا مُعَلِّمينَ، لأنَّ مُعَلِّمَكُمْ واحِدٌ المَسيحُ. ١١ وأكبَرُكُمْ يكونُ خادِمًا لكُمْ. ١٢ فمَنْ يَرفَعْ نَفسَهُ يتَّضِعْ، ومَنْ يَضَعْ نَفسَهُ يَرتَفِعْ.

الويلات للكتبة والفريسيين

١٣ «لكن ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُغلِقونَ ملكوتَ السماواتِ قُدّامَ النّاسِ، فلا تدخُلونَ أنتُمْ ولا تدَعونَ الدّاخِلينَ يَدخُلونَ. ١٤ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تأكُلونَ بُيوتَ الأرامِلِ، ولعِلَّةٍ تُطيلونَ صَلَواتِكُمْ. لذلكَ تأخُذونَ دَينونَةً أعظَمَ. ١٥ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تطوفونَ البحرَ والبَرَّ لتَكسَبوا دَخيلًا واحِدًا، ومَتَى حَصَلَ تصنَعونَهُ ابنًا لجَهَنَّمَ أكثَرَ مِنكُمْ مُضاعَفًا. ١٦ ويلٌ لكُمْ أيُّها القادَةُ العُميانُ! القائلونَ: مَنْ حَلَفَ بالهَيكلِ فليس بشَيءٍ، ولكن مَنْ حَلَفَ بذَهَبِ الهَيكلِ يَلتَزِمُ. ١٧ أيُّها الجُهّالُ والعُميانُ! أيُّما أعظَمُ: ألذَّهَبُ أمِ الهَيكلُ الّذي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ ١٨ ومَنْ حَلَفَ بالمَذبَحِ فليس بشَيءٍ، ولكن مَنْ حَلَفَ بالقُربانِ الّذي علَيهِ يَلتَزِمُ. ١٩ أيُّها الجُهّالُ والعُميانُ! أيُّما أعظَمُ: القُربانُ أمِ المَذبَحُ الّذي يُقَدِّسُ القُربانَ؟ ٢٠ فإنَّ مَنْ حَلَفَ بالمَذبَحِ فقد حَلَفَ بهِ وبكُلِّ ما علَيهِ! ٢١ ومَنْ حَلَفَ بالهَيكلِ فقد حَلَفَ بهِ وبالسّاكِنِ فيهِ، ٢٢ ومَنْ حَلَفَ بالسماءِ فقد حَلَفَ بعَرشِ اللهِ وبالجالِسِ علَيهِ. ٢٣ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُعَشِّرونَ النَّعنَعَ والشِّبِثَّ والكَمّونَ، وتَرَكتُمْ أثقَلَ النّاموسِ: الحَقَّ والرَّحمَةَ والإيمانَ. كانَ يَنبَغي أنْ تعمَلوا هذِهِ ولا تترُكوا تِلكَ. ٢٤ أيُّها القادَةُ العُميانُ! الّذينَ يُصَفّونَ عن البَعوضَةِ ويَبلَعونَ الجَمَلَ. ٢٥ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُنَقّونَ خارِجَ الكأسِ والصَّحفَةِ، وهُما مِنْ داخِلٍ مَملوآنِ اختِطافًا ودَعارَةً. ٢٦ أيُّها الفَرّيسيُّ الأعمَى! نَقِّ أوَّلًا داخِلَ الكأسِ والصَّحفَةِ لكَيْ يكونَ خارِجُهُما أيضًا نَقيًّا. ٢٧ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تُشبِهونَ قُبورًا مُبَيَّضَةً تظهَرُ مِنْ خارِجٍ جَميلَةً، وهي مِنْ داخِلٍ مَملوءَةٌ عِظامَ أمواتٍ وكُلَّ نَجاسَةٍ. ٢٨ هكذا أنتُمْ أيضًا: مِنْ خارِجٍ تظهَرونَ للنّاسِ أبرارًا، ولكنكُمْ مِنْ داخِلٍ مَشحونونَ رياءً وإثمًا. ٢٩ ويلٌ لكُمْ أيُّها الكتبةُ والفَرّيسيّونَ المُراؤونَ! لأنَّكُمْ تبنونَ قُبورَ الأنبياءِ وتُزَيِّنونَ مَدافِنَ الصِّدّيقينَ، ٣٠ وتَقولونَ: لو كُنّا في أيّامِ آبائنا لَما شارَكناهُمْ في دَمِ الأنبياءِ. ٣١ فأنتُمْ تشهَدونَ علَى أنفُسِكُمْ أنَّكُمْ أبناءُ قَتَلَةِ الأنبياءِ. ٣٢ فاملأوا أنتُمْ مِكيالَ آبائكُمْ. ٣٣ أيُّها الحَيّاتُ أولادَ الأفاعي! كيفَ تهرُبونَ مِنْ دَينونَةِ جَهَنَّمَ؟ ٣٤ لذلكَ ها أنا أُرسِلُ إلَيكُمْ أنبياءَ وحُكَماءَ وكتَبَةً، فمِنهُمْ تقتُلونَ وتَصلِبونَ، ومِنهُمْ تجلِدونَ في مجامعِكُمْ، وتَطرُدونَ مِنْ مدينةٍ إلَى مدينةٍ، ٣٥ لكَيْ يأتيَ علَيكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكيٍّ سُفِكَ علَى الأرضِ، مِنْ دَمِ هابيلَ الصِّدّيقِ إلَى دَمِ زَكَريّا بنِ بَرَخيّا الّذي قَتَلتُموهُ بَينَ الهَيكلِ والمَذبَحِ. ٣٦ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ هذا كُلَّهُ يأتي علَى هذا الجيلِ!

يسوع يرثي أورشليم

٣٧ «يا أورُشَليمُ، يا أورُشَليمُ! يا قاتِلَةَ الأنبياءِ وراجِمَةَ المُرسَلينَ إليها، كمْ مَرَّةٍ أرَدتُ أنْ أجمَعَ أولادَكِ كما تجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تحتَ جَناحَيها، ولَمْ تُريدوا! ٣٨ هوذا بَيتُكُمْ يُترَكُ لكُمْ خَرابًا. ٣٩ لأنّي أقولُ لكُمْ: إنَّكُمْ لا ترَوْنَني مِنَ الآنَ حتَّى تقولوا: مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبِّ!».

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

• تتكرر قراءة الفقرات (متى ٢١/ ٢٣- ٤٦) في هذا اليوم أيضًا، وقد علقنا عليها في القراءة السابقة، قراءة يوم الاثنين.

• يساور المتأملين عند قراءة مثل عرس ابن الملك، الذي ضربه يسوع الإنجيلي، شعور أنه أخفق في انتقاء المثل المختار.. وإلا فصيغة المثل الذي ضربه تصور الإله إنه شخص تسلطي وسادي بشكل مرَضي منقطع النظير.. إذ الطبيعي فما على الداعي لعرس، إن كان سويًا، إلا أن يحتفي ويرحب بالحضور.. أما من سواهم فإما أن يقدر ظروف غيابهم فيتفقد أحوالهم أو ألا يأبه بهم أصلًا.

ولكننا نلاحظ هنا رغم أجواء المتعة وأطايب الأطعمة التي جهزها صاحب العرس إلا أنها لم تجذب أي أحد، فالكل فروا ونفروا، ترى لماذا؟!! ألعلهم يعرفون تاريخ وسمعة هذا الشخص السيئة؟!

إن هذه الفقرة الفجة للأسف تظهر الإله بشكل فظٍ وغير مُحب ولا رحيم بالمرة، بينما يقول الله لصفيه: «فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ» آل عمران ١٦٠ ولكن وللأسف، فالفقرة لم تقدم إلا منتهى العنف ضد المخالفين وفوق هذا فهي لم تكتفي بذلك العنف غير المبرر، بل تعطي صورة لسادية مرَضية أخرى مختلقة وممجوجة.. فبعد أن أمر الإله بتقتيل كل رافض دعوته بلا رحمة، وإن كانوا من الغافلين بالمشاغل الدنيوية ومن غير المعاندين أو المستكبرين، ينتقل إلى خارج المدينة، فيأمر حاشيته بجمع مدعوين آخرين قسرًا بشكل عشوائي لملء العرس ولو كانوا مارة وغرباء على الطريق فنفذت الحاشية ذلك وملأوا العرس..

المذهل والعجيب هنا أن الإله لم يضيّف أولئك المدعوين على حالهم بما يليق بمضيّف، بل أخذ يتفحص فيهم الجيد منهم والردي ثم أمر بالتنكيل بمن لم يعجبه منهم أشد تنكيلًا كما هو مذكور.. يالا هول هذا المثل المضروب عن الله سبحانه ويالا بشاعته..

• يحيلنا هذا المثال من يسوع الإنجيلي للإله وملكوته إلى فهم طبيعة يسوع الإنجيلي نفسه والتي طالعناها في القراءات السابقة كحاله العنيف مع مجاوري الهيكل والباعة في باحته، وكحاله المستهجن في لعن شجرة غير مثمرة. لذا فلا يسعنا حيال ذلك إلا أن نختصر كل ذلك بالقول إذا كان رب البيت بالسيف ضاربٌ فشيمة ابن الرب في الخلق القتلُ.

• ثم تاملوا، إذ يحصل تحول عجيب في الفقرة التالية من ذلك المثال الفج عن ملكوت السماوات، ولكنه تحول مقروء النوايا، إذ بعدما صُدم الجميع من هذا المثال الفج المضروب عن الله سبحانه أراد البعض أن يبينوا التناقض الصارخ ليسوع الإنجيلي في تعاليمه بين القول والفعل، فسألوه عن الحكومة القيصرية هل يجوز دفع الجزية لها، وهي إذ لم تكن على دين إله الكتاب المقدس فإنه بحسب ذاك المثال المضروب يسري عليها شرعيًا كل مصير المخالفين كما ورد في فقرة عرس ابن الملك، فيا له من أمر محرج ليسوع الإنجيلي حقًا، فقد اضطر مع هذا السؤال العلني أن يقر بضرورة إعطاء الجزية للحكومة القيصرية، وإلا فسيُدان بالعصيان، ولكنه قال هذا على ألا يسقِط ذلك إنفاذ أحكام المخالفين فيها إذا ما حصل ليسوع التمكن كما قال «وما للهِ للهِ».. ولذلك تعجب السائلين من هذا التناقض ومضوا.

• لقد كانت الأسئلة تتوارد على يسوع الإنجيلي وكان منها المحرج كالسؤال عن الجزية وقد بين طبيعة وحقيقة أمره عند ربطه بالمثال الذي ضربه هو بنفسه عن الله.. ومن الأسئلة أيضا ما كان ساذجًا أو مجرد سؤال لاختباره حول مدى ضلاعته في أمور الديانة والشريعة كتلك الأسئلة عن الوصايا الإلهية وطبيعة قيامة الأموات، فكان جوابه فيها كتابيًا أكاديميًا منهجيًا ببساطة.

• الغريب أنه (أي يسوع الإنجيلي) بعد هذا كله دخل في سرد طويل من التحذير لمشايخ اليهود وكيل الويلات لهم عن أعمال قام هو نفسه بكثير منها، ولعلنا ذكرنا نبذة بسيطة عنها في هذه القراءات بحسب سياقاتها، ولو أن هذا الشأن فيه تفصيل عريض اعتمادا على مجمل سيرة حياة يسوع الإنجيلي المدونة بالكتاب، ولكن تجنبًا للإطالة فإن لنا مواضيع تفصيلية حول ذلك (يمكن طلبها) وهي عن تلك الأعمال والأقوال التي وجه بسببها التحذيرات للمشايخ وكال لهم بسببها الويلات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• ثم سأل يسوع معارضيه عن العلاقة بين المسيح وداود وكأنه يريد أن ينقضها من جهة النسب، ولعله فعل، ولكن عموم المسيحيين يعتقدون بأن هذا السؤال جوابه أن المسيح يجب أن يكون ابنًا حقيقيًا لله ما دام داود يدعوه ربًا أي سيدًا له.

والحق إن هذا المفهوم خاطئ بداهة ومن أكثر من وجه..

الوجه الأول– إن داود الملك لا يقول "سيدي" لحفيد مستقبلي له إنما لشخص يتقلد السيادة من الله غير أنه يكون خارج سلسلة نسبه وخارج دائرة أمة بيت إسرائيل تمامًا. ولو ربطنا بين المفهوم الذي بيناه عن نبوءة «الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ» (المزامير ١١٨/ ٢٢) في القراءة السابقة (قراءة يوم الاثنين) وبين موضوع المزمور ١١٠ كاملًا لتوصلنا إلى حقيقة من هو السيد الذي قصده داود، ولتيقنّا بأنه ليس هو المسيح يسوع. ولعل الترجمة العربية المبسطة للكتاب المقدس تُعد أفضل مرجع داخلي للوصول إلى هذا الفهم. (انظرالمزمور ١١٠ من هذه الترجمة بالصورة←) فيقول داود فيه إن من أتباع هذا السيد، والقائم مقامه أيضًا، من يرفع رأسه في مكان داود نفسه أي أورشليم. والمعلوم أن المسيح لم يتح له ذلك البتة، بل لقد رثى أورشليم في بقية القراءة لما ذاق فيها من اضطهاد.

الوجه الثاني– يستغل المسيحيون هذه المقولة الإنبائية لداود لإثبات واقعة الصعود المزعومة للمسيح، ولقد تم تفنيد ذلك الزعم حول هذه المقولة في هذا الموضوع https://mo7amed07.blogspot.com/2018/04/5.html

الثلاثاء، 30 أبريل 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الثاني

 اثنين البصخة، وهي لفظة أرامية تعني (الفِصحا) أي العبور─

أولًا - القراءة ██

    المزامير ١١٨/ ٢٢

»٢٢ الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ«

    متى ٢١/ ١٨- ٤٦

شجرة التين تيبس

»١٨ وفي الصُّبحِ إذ كانَ راجِعًا إلَى المدينةِ جاعَ، ١٩ فنَظَرَ شَجَرَةَ تينٍ علَى الطريقِ، وجاءَ إليها فلم يَجِدْ فيها شَيئًا إلّا ورَقًا فقط. فقالَ لها: «لا يَكُنْ مِنكِ ثَمَرٌ بَعدُ إلَى الأبدِ!». فيَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ. ٢٠ فلَمّا رأى التلاميذُ ذلكَ تعَجَّبوا قائلينَ: «كيفَ يَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ؟». ٢١ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التّينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. ٢٢ وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ«

السؤال عن سلطان يسوع

٢٣ ولَمّا جاءَ إلَى الهَيكلِ تقَدَّمَ إليهِ رؤَساءُ الكهنةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وهو يُعَلِّمُ، قائلينَ: «بأيِّ سُلطانٍ تفعَلُ هذا؟ ومَنْ أعطاكَ هذا السُّلطانَ؟». ٢٤ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «وأنا أيضًا أسألُكُمْ كلِمَةً واحِدَةً، فإنْ قُلتُمْ لي عنها أقولُ لكُمْ أنا أيضًا بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا: ٢٥ مَعموديَّةُ يوحَنا: مِنْ أين كانت؟ مِنَ السماءِ أم مِنَ النّاسِ؟». ففَكَّروا في أنفُسِهِمْ قائلينَ: «إنْ قُلنا: مِنَ السماءِ، يقولُ لنا: فلماذا لم تؤمِنوا بهِ؟ ٢٦ وإنْ قُلنا: مِنَ النّاسِ، نَخافُ مِنَ الشَّعبِ، لأنَّ يوحَنا عِندَ الجميعِ مِثلُ نَبيٍّ». ٢٧ فأجابوا يَسوعَ وقالوا: «لا نَعلَمُ». فقالَ لهُمْ هو أيضًا: «ولا أنا أقولُ لكُمْ بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا«

مثل الابنين

٢٨ ماذا تظُنّونَ؟ كانَ لإنسانٍ ابنانِ، فجاءَ إلَى الأوَّلِ وقالَ: يا ابني، اذهَبِ اليومَ اعمَلْ في كرمي. ٢٩ فأجابَ وقالَ: ما أُريدُ. ولكنهُ نَدِمَ أخيرًا ومَضَى. ٣٠ وجاءَ إلَى الثّاني وقالَ كذلكَ. فأجابَ وقالَ: ها أنا يا سيِّدُ. ولَمْ يَمضِ. ٣١ فأيُّ الِاثنَينِ عَمِلَ إرادَةَ الأبِ؟». قالوا لهُ: «الأوَّلُ». قالَ لهُمْ يَسوعُ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ العَشّارينَ والزَّوانيَ يَسبِقونَكُمْ إلَى ملكوتِ اللهِ، ٣٢ لأنَّ يوحَنا جاءَكُمْ في طريقِ الحَقِّ فلم تؤمِنوا بهِ، وأمّا العَشّارونَ والزَّواني فآمَنوا بهِ. وأنتُمْ إذ رأيتُمْ لم تندَموا أخيرًا لتؤمِنوا بهِ.

مثل الكرامين

» اِسمَعوا مَثَلًا آخَرَ: كانَ إنسانٌ رَبُّ بَيتٍ غَرَسَ كرمًا، وأحاطَهُ بسياجٍ، وحَفَرَ فيهِ مَعصَرَةً، وبَنَى بُرجًا، وسَلَّمَهُ إلَى كرّامينَ وسافَرَ. ٣٤ ولَمّا قَرُبَ وقتُ الأثمارِ أرسَلَ عَبيدَهُ إلَى الكَرّامينَ ليأخُذَ أثمارَهُ. ٣٥ فأخَذَ الكَرّامونَ عَبيدَهُ وجَلَدوا بَعضًا وقَتَلوا بَعضًا ورَجَموا بَعضًا. ٣٦ ثُمَّ أرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ أكثَرَ مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بهِمْ كذلكَ. ٣٧ فأخيرًا أرسَلَ إليهِمُ ابنَهُ قائلًا: يَهابونَ ابني! ٣٨ وأمّا الكَرّامونَ فلَمّا رأوا الِابنَ قالوا فيما بَينَهُمْ: هذا هو الوارِثُ! هَلُمّوا نَقتُلهُ ونأخُذْ ميراثَهُ! ٣٩ فأخَذوهُ وأخرَجوهُ خارِجَ الكَرمِ وقَتَلوهُ. ٤٠ فمَتَى جاءَ صاحِبُ الكَرمِ، ماذا يَفعَلُ بأولئكَ الكَرّامينَ؟». ٤١ قالوا لهُ: «أولئكَ الأردياءُ يُهلِكُهُمْ هَلاكًا رَديًّا، ويُسَلِّمُ الكَرمَ إلَى كرّامينَ آخَرينَ يُعطونَهُ الأثمارَ في أوقاتِها». ٤٢ قالَ لهُمْ يَسوعُ: «أما قَرأتُمْ قَطُّ في الكُتُبِ: الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ هو قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كانَ هذا وهو عَجيبٌ في أعيُنِنا! ٤٣ لذلكَ أقولُ لكُمْ: إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنزَعُ مِنكُمْ ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمَلُ أثمارَهُ. ٤٤ ومَنْ سقَطَ علَى هذا الحَجَرِ يتَرَضَّضُ، ومَنْ سقَطَ هو علَيهِ يَسحَقُهُ!». ٤٥ ولَمّا سمِعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَرّيسيّونَ أمثالهُ، عَرَفوا أنَّهُ تكلَّمَ علَيهِمْ. ٤٦ وإذ كانوا يَطلُبونَ أنْ يُمسِكوهُ، خافوا مِنَ الجُموعِ، لأنَّهُ كانَ عِندَهُمْ مِثلَ نَبيٍّ«

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

 يأخذنا عمل السيد يسوع الإنجيلي تجاه شجرة التين إلى ثلاثة مواضيع وهي:

١ -أن يسوع عندما جاع لم يفكر إلا في شجرة التين غير المثمرة، رغم كون عدم إثمارها ليس لعيبٍ فيها بل لأن الموسم ليس موسم ثمرها (مرقس ١١/ ١٣) فكيف تثمر ثمر في غير موعده؟! وهذا الموقف يرشدنا إلى عدم معرفة يسوع الإنجيلي بالغيب، الذي هو من أهم متطلبات الألوهية المزعومة تجاهه، فضلًا عن عدم إدراكه للوقت كإنسان يغفل ويخطئ.

٢ -إنه عندما لعن شجرة لم تثمر بسبب أن ليس الوقت وقت إثمارها يصبغه بصبغة كونه سريع الغضب على توافه الأمور وعلى ما لا محل للغضب عليه.. كما يجبر هذا الموقف المتأملين على تصور يسوع الإنجيلي تسوقه شهواته (شهوة البطن) فضلًا عن أنه يحكم على أساسها.. فإذا كان هذا موقفه مع شجرة لم تعطه ثمر بغير إرادة منها، اللعن، فكيف بمن رفضوه على أيامه بإرادة على غير عناد؟ أو من رفضوا زعم ألوهيته على أيام أتباع هذه العقيدة لفظًا لهذا الاعتقاد..! الحق لقد صرح يسوع الإنجيلي بمصير أولئك فقال: «أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» لوقا ١٩/ ٢٧ فإذا كان هو لم تسعفه الحياة لتنفيذ ذلك بيده، إلا أن اتباعه طبقوه بحذافيره كما يقدم لنا التاريخ والواقع.

٣ -ويحيلنا هذا كله إلى تذكر قراءة اليوم الأول في زكريا ٩/ ٩ إذ نُسب إلى يسوع الوصف «هو عادِلٌ ومَنصورٌ وديعٌ» لنتأمل فيه ولنقرر أنه لا يطابق ولا يوافق أحوال يسوع الإنجيلي على الإطلاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  وفي الجدال الذي دار في الهيكل نستطيع أن نخرج بموضوعين أحدهما لاهوتي وآخر تاريخي.

  أما الموضوع الأول فمن أين ليسوع السلطان/ الإذن ليعلم في الهيكل؟ كان هذا سؤال الكهنة له، ولكنه لم يقدم جوابًا مباشرًا بل عمل أعمالًا توحي بأنه يفعل كل ذلك بإذن الله[1] وعلى خلفية هذا الموضوع فقد أثار يسوع قضية لاهوتية تعطي جوابًا لسؤالهم وهي من أعطى الإذن ليوحنا ليقوم بالمعمودية، أكان الإذن من الله أم من نفسه اخترع ذلك؟

ولما كان يوحنا نبيًا بارًا مقبولًا عند الشعب ولكنه كان مرفوضًا لدى الكهنة، حتى أنهم أوشوا ضده وأسلموه للسلطات، فقد خشي الكهنة أن يردوا على هذا السؤال المحرج لهم، فإن قالوا إن أعمال معموديته كانت بإذن من الله أدانوا أنفسهم كونهم لم يخضعوا له ويتبعوه، وإن قالوا إنها اختراع من عند نفسه وقعوا تحت سخط الناس عليهم.

أما المسيح فقد تلقى معموديته بيد يوحنا لاستقبال الإذن الإلهي بخضوعه له أولًا وبناء عليه تقدم وسط قبول الشعب ليعلم في الهيكل ولم يستطيع الكهنة منعه كونه كان من أنصار يوحنا المحبوب.

ومن ذلك نستخلص الجواب المباشر وهو كما تلقى يوحنا الإذن من الله ليقوم بالمعمودية كذلك أنا تلقيت الإذن من الله للتعليم في الهيكل.

  وفي قضية أخرى طرحها يسوع في "مَثَل الكرامين" وهي انتقال ملكوت السماوات من بيت إسرائيل إلى أمة أخرى تعطي حقه، ولما كان يسوع من بيت إسرائيل فبالتأكيد لا يعقل أن يكون هو المعني بالنبوءة «الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ» بل الصواب هو أن إسماعيل، وهو الابن البكر لإبراهيم والذي اصبح مرفوضًا ومُغتالًا معنويًا من قبل اليهود هو المقصود بتلك النبوءة «رأسَ الزّاويَةِ»، فرأس الزاوية هي الأساس التي يقوم عليها البناء، وبجودتها يتحدد متانة البناء.. فقد كان إسماعيل هو المرفوض عند اليهود، وقد أتى يسوع في آخر السلسلة الإسرائيلية ليخبر اليهود بهذا الخبر، فقد رفضوا الكثيرين، ولكن كان أول رفضهم موجه تجاه إسماعيل مبدأ البناء، ومن إسماعيل تخرج أمة عظيمة (تكوين ١٧/ ٢٠) ينتقل إليها امتياز إقامة ملكوت السماوات بحقه كما أخبرهم يسوع بعدما أخفقوا هم. إذن فيسوع في هذا الكلام كان مخبر عن غيره لا مثبتًا النبوءة على نفسه.



[1] معجم اللاهوت الكتابي ص ٤٢٨